الايجاز الشهري

إحاطة مركز صنعاء لما قبل الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان بشأن الوضع في اليمن

تهامة للدراسات – متابعات

السادة أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أصحاب السعادة، المندوبون الموقرون، الزملاء، الأصدقاء:

اسمي يزيد الجداوي، وأنا هنا لأمثّل مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، مركز يمني معني بالبحوث والسياسات العامة. أتواجد هنا اليوم لألفت عنايتكم للكارثة التي يشهدها اليمن، هذا البلد الذي لا يزال يعاني تبعات حرب مستمرة منذ نحو عقد من الزمن ويشهد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم.

تركز إحاطتنا اليوم على الحاجة الملحة للاعتراف بحقوق ضحايا الصراع، وأهمية إرساء العدالة في مستقبل اليمن السياسي والاقتصادي. نشهد غيابًا لتمثيل أو حتى احترام أصوات الضحايا في المفاوضات الرسمية، حيث غُيِّبت طويلًا في ظل الأجندات السياسية والعسكرية المتنافسة للجهات الفاعلة داخل اليمن وخارجه.

هذا النَّسَق خطير بقدر ما هو جائر، وبه يصبح تحقيق المصالحة الوطنية والسلام المستدام هدفًا بعيد المنال في ظل بقاء النزاعات دول حلّ، واستمرار دورات العنف التي تدمر تطلعات جيل جديد من اليمنيين.

من هذا المنطلق، نؤمن بأن الاعتراف بحقوق ضحايا الصراع وإعطائهم الأولوية عنصر حاسم في أي عملية سلام. في شهر يوليو/ تموز الماضي، وقّع مركز صنعاء -مع أكثر من سبعين منظمة مجتمع مدني يمنية -إعلانًا مهمًا يطالب بإدراج مفهوم العدالة الانتقالية كمبدأ أساسي في أي مفاوضات، وإقراره كشرط أساسي لأي تسوية سياسية.

إلا أن مفهوم العدالة يجب أن يتجاوز الجرائم المرتكبة خلال الحرب وأن يمضي إلى ما هو أبعد من الشمول السياسي. لا يزال اليمن أفقر بلد في منطقة الشرق الأوسط، وتفاقمت وطأة الفقر نتيجة تسع سنوات من الصراع المدمر. يُصنَّف اليمن كواحد من أكثر البلدان عرضة لآثار تغيّر المناخ على مستوى العالم، وأقلها استعدادًا للتكيّف مع هذه الآثار، على الرغم من مساهمة البلاد بأقل من 0.1 في المائة من الانبعاثات الكربونية العالمية، فإن تخلي الاقتصادات الكبرى عن مسؤوليتها ترتب عليه كُلفةً باتت تتحملها المجتمعات اليمنية التي تتأرجح فعليًا على شفا مجاعة.

تعتمد قدرة اليمن في إعادة بناء اقتصاد يلبي احتياجات سكانه الأساسية على دعم التنمية المستدامة بصورة عاجلة والتخفيف من حدة آثار تغيّر المناخ.

فنتيجة لتغيّر المناخ، بات اليمن أكثر عرضة للظواهر المناخية المتطرفة والكوارث الطبيعية، التي من المتوقع أن تزداد شدة وتصبح أكثر تواترًا. في مثل هذه الظروف، لا يقتصر مفهوم العدالة المناخية على حماية البيئة فحسب، بل هي قضية مرتبطة بحقوق الإنسان الأساسية كالحق في الحياة والصحة والمياه -وكذلك الحق في بيئة صحية. رغم ذلك، لم يتلقَ البلد ما يكفي من الدعم الإنمائي والاقتصادي لتحسين الوضع الراهن أو لتجنب حدوث ما هو أسوأ في المستقبل.

في دورات الاستعراض السابقة، قدمت الدول الأعضاء توصياتٍ إلى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بشأن تطبيق العدالة الانتقالية، بما في ذلك وضع وتنفيذ إطار للمصالحة والعدالة الانتقالية يتماشى مع توصيات مؤتمر الحوار الوطني اليمني وتوصيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ والتعجيل بسن التشريعات ذات الصلة؛ وضمان استقلالية اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان ؛ وتعزيز تمثيل المرأة في المسارات السياسية والحياة العامة.

خلال الدورة الثانية والثلاثين للاستعراض الدوري الشامل المنعقدة في يناير/ كانون الثاني 2019، أوصت بعض الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات عامة ومحددة لضمان المساءلة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني المرتكبة من قِبل أطراف النزاع، وشددت على أهمية التصديق على الصكوك الدولية القائمة -مثل البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري -من أجل التصدي للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري وتعذيب الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والأقليات الدينية وغيرها. أبدت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا موافقتها وتأييدها لـ 13 توصية من أصل 16 قدمتها الدول الأعضاء للتعامل مع هذه الشواغل المتعلقة بحقوق الإنسان، إلا أنها لم تفعِّل الكثير حتى الآن لتنفيذ هذه التوصيات. فضلًا عن ذلك، لم يُتجاوب مع العديد من الطلبات التي قدمها المكلفون بولايات في إطار الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان -مثل المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء والإعدام التعسفي والإعدام بإجراءات موجزة، ونتيجة لذلك، أضاعت الحكومة فرصًا مهمة لبناء وتعزيز التعاون الفني وتطوير القدرات اللازمة لتحسين الأوضاع التي جرى تحديدها كقضايا مثيرة للقلق.

افتقرت استجابة الحكومة اليمنية لهذه التوصيات إلى الالتزام والتنفيذ الكافيين، ورغم وضوح الحاجة إلى إطار قوي يتصدى للفظائع التي ارتُكبت، لم تكن هناك رغبة حقيقية في اعتماد أو تنفيذ آليات فعالة لتطبيق العدالة الانتقالية.

التوصيات
إلى الحكومة المعترف بها دوليًا
إقرار حق الضحايا وممثلي أسر الضحايا وجمعيات الضحايا والناجين في الحضور والتمثيل في كافة الأنشطة الرامية إلى التوصل لتسوية سياسية وتطبيق العدالة الانتقالية. على الحكومة تبسيط إجراءات تسجيل هذه الجمعيات من أجل تشجيع الضحايا أو ممثليهم على الإدلاء بشهادات توثق الانتهاكات وتخلّد ذكرى الضحايا. كما يتعيّن على الحكومة ضمان حق جمعيات الضحايا في وضع قواعدها الداخلية وكذلك تنظيم أنشطتها وبرامجها دون تدخل أو ضغط من السلطات.
ضمان حضور منظمات المجتمع المدني اليمنية -بما في ذلك جمعيات الضحايا -في الاجتماعات ذات الصلة بالعملية السياسية في اليمن، وتعزيز وحماية دور ممثلي المجتمع المدني -بما في ذلك الضحايا -ومن ينوب عنهم في التمثيل في أي ترتيبات مرتبطة بمسار السلام كوقف إطلاق النار وغيرها من الجهود، ويشمل ذلك على سبيل المثال لا الحصر الجهود التي يقودها المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن.
تعزيز ودعم تبني نهج وطني شامل للعدالة الانتقالية، عبر الاستفادة من تجارب مؤتمر الحوار الوطني وإدماج مبادئ العدالة ذات الصلة بالقانون العرفي والتشريعات المحلية.
النظر بانتظام في الأضرار والخسائر الناجمة عن تغيّر المناخ وتخصيص تعويضات عادلة ومنصفة لضمان وصول الفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا في اليمن إلى العدالة المناخية.
إلى المجتمع الدولي :
تقديم الدعم لجهود إرساء العدالة الانتقالية في اليمن، عبر ضمان أن تراعي البرامج المموّلة من المانحين الإرث الثقيل لانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن وأن تدعم أطر العدالة وآليات جبر الضرر لضحايا النزاع المسلح.
تقديم الدعم المالي والفني لمساعدة اليمن على تنفيذ مبادرات وبرامج التنمية المستدامة وحماية البيئة، على أن تستفيد هكذا برامج من المعرفة المحلية وأن تنخرط مع المجتمعات المحلية والهشة.
تقديم الدعم وتوفير التمويل للمجتمع المدني في اليمن لاستنباط خارطة طريق لتطبيق العدالة الانتقالية.
توفير الدعم لمنظمات المجتمع المدني في اليمن بما يضمن عدم مساس إجراءات تعويض الضحايا وغيرها من التدابير التي قد تتخذها أطراف النزاع لجبر الضرر بحق هذه المنظمات في كشف الحقائق أو استعادة الكرامة للضحايا أو السعي إلى تحقيق المساءلة.
ورغم احتمال عودة التصعيد في صراع اليمن، من الضروري ألا ننسى أو نغض الطرف عن ضحايا الحرب ومعاناتهم. هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لتنظيم الجهود الداعمة للضحايا وتوثيق الانتهاكات ضدهم. كما يتعيّن التعامل بصورة عاجلة مع التداعيات الوخيمة لآثار تغيّر المناخ في اليمن نظرًا لدورها في استشراء الفقر وتفاقم سوء التغذية وحالة الصراع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى